07‏/01‏/2014

( ٥ ) المحاسبة



بدايتها أن تقايس بين نعمة الله عز وجل وجنايتك، ليظهر لك التفاوت، وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته.
ثم تقايس بين الحسنات والسيئات، فتعلم أيها أكثر وأرجح قدرا وصفة.
     فإذا توغلت في هذه المقايسات فتحت لك المحاسبة بابا من التمييز بين ما عليك لله من عبودية وبين مالك، فأدّ ما عليك يؤتك مالك.

آلات المقايسة:
١- نور الحكمة: العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والضار والنافع، والكامل والناقص. ويبصر به مراتب الأعمال.
     وهناك من يتعبد بترك ما له فعله، كترك كثير من المباحات، ويظن ذلك حقا عليه، فهذا لم يميز بين ماعليه وماله.

٢- سوء الظن بالنفس: لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش. فيرى المساوئ محاسنا، والعيوب كمالا.
     ومن تمام هذا التمييز أن يعلم أن رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه وجهله بحقوق العبودية. فالرضا بالطاعات من رعونات النفس وحماقتها. وأرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات، لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام بها كما يليق بجلاله وكبريائه.
     ولا يكمل هذا المعنى إلا أن تربأ بنفسك عن تعيير المقصرين، فلعل تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس والمناداة عليها بالبراءة من الذنب وأن أخاك باء به. ولعل كسرته بذنبه أنفع له وخير من صولة طاعتك.

٣- تمييز النعمة من الفتنة: يفرق بين النعمة التي يرى بها الإحسان واللطف، ويعان بها على تحصيل السعادة الأبدية، وبين النعمة التي يرى بها الإستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه، وستره عليه، وأكثر الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامة السعادة والنجاح.

وكل قوة ظاهرة وباطنة صحبها تنفيذ لمرضاته وأوامره فهي مِنّة من الله، وإلا فهي حجة.
وكل حال صحبه تأثير في نصرة دينه والدعوة إليه فهو مِنّة، وإلا فهو حجة.
وكل مال اقترن به إنفاق في سبيل الله لا لطلب الجزاء ولا الشكور فهو مِنّة وإلا فهو حجة،
وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده فهو مِنّة، وإلا فهو حجة.
وكل قبول في الناس اتصل به خضوع للرب وذل وانكسار ومعرفة بعيب النفس فهو مِنّة، وإلا فهو حجة.
وكل بصيرة وموعظة وتذكير وتعريف اتصل به عبرة ومزيد في العقل والإيمان فهو مِنّة، وإلا فهو حجة.

وكل حال مع الله تعالى، أو مقام اتصل به السير إلى الله وإيثار مراده على مراد العبد فهو مِنّة، وإلا فهو حجة.

ليست هناك تعليقات: