31‏/01‏/2010

قواعد الإدارة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "
من هذا المنطلق علينا أن نتعلم الإدارة ، سواء في المنزل  والعمل وكل شئون حياتنا .
كتاب قواعد الإدارة من أكثر الكتب مبيعا على مستوى العالم ، لصاحبه ريتشارد تمبلر ..

يحتوي الكتاب على 100 قاعدة من قواعد الإدارة
34 قاعدة لإدارة فريق العمل
66 قاعدة لإدارة نفسك

10‏/01‏/2010

قصة الأمير والغلام البليغ

 كان هشام بن عبد الملك بن مروان ذاهباً إلى الصيد في أحد الأيام، فنظر إلى ظبي فتبعه بالكلاب، فبينما هو خلف الظبي إذ نظر إلى صبي من الأعراب يرعى غنماً، فقال هشام  بن عبد الملك له: يا غلام، دونك هذا الظبي فاتني به، فرفع رأسه إليه وقال: يا جاهلاً بقدر الأخبار، لقد نظرت إلي بالإستصغار، وكلمتني بالإحتقار، فكلامك كلام جبار، وفعلك فعل حمار.

فقال هشام  بن عبد الملك : ويلك أما تعرفني ؟ 

فقال الصبي: قد عرفني بك سوء أدبك، إذ بدأتني بكلامك دون سلامك، لا قرب الله ديارك، ولا حيا مزارك، فما أكثر كلامك وأقل إكرامك. 

فما أتمم كلامه حتى أحدقت به الجند من كل جانب، وكل واحد منهم يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين.

فقال هشام  بن عبد الملك: أقصروا عن هذا الكلام، واحفظوا هذا الغلام، فقبضوا عليه.

ورجع هشام  بن عبد الملك إلى قصره وجلس في مجلسه وقال: عليّ بالغلام البدوي، فأتو به، فلما رأى الغلام كثرة الحجاب والوزراء وأرباب الدولة لم يكترث بهم ولم يسأل عنهم، بل جعل ذقنه على صدره، ونظر حيث يقع قدمه إلى أن وصل إلى هشام  بن عبد الملك فوقف بين يديه، ونكس رأسه إلى الأرض، وسكت عن السلام، وامتنع عن الكلام، فقال له بعض الخدام: يا كلب العرب، ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين؟

فالتفت إلى الخادم مغضباً وقال: يا بردعة الحمار منعني من ذلك طول الطريق، وصعود الدرج.

فقال هشام  بن عبد الملك وقد تزايد به الغضب: يا صبي لقد حضرت في يوم حضر فيه أجلك، وغاب عنك أملك، وانصرم عمرك.

 فقال: والله يا هشام  بن عبد الملك لئن كان في المدة تأخير لم يكن في الأجل تقصير.

فقال له الحاجب: هل بلغ من مقامك يا أخس العرب أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة. 

فقال مسرعاً: لقيت الخبل ولا فارقك الويل والهبل، أما سمعت ما قال الله تعالى: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها". 

فعند ذلك اغتاظ هشام  بن عبد الملك غيضاً شديداً وقال: يا سياف، علي برأس هذا الغلام، فإنه أكثر بالكلام، ولم يخش الملام.

 فأخذ الغلام ونزل به إلى نطع الدم وسل سيفه على رأسه وقال: يا أمير المؤمنين هذا عبدك المذل بنفسه السائر إلى رمسه، هل أضرب عنقه وأنا بريء من دمه؟ 

قال له الأمير : نعم.

فاستأذن ثانياً، ففهم الفتى أنه إن أذن له هذه المرة يقتله، فضحك حتى بدت نواجذه، فازداد هشام  بن عبد الملك غضباً وقال: يا صبي، أظنك معتوهاً، أما ترى أنك مفارق الدنيا، فكيف تضحك هزءاً بنفسك؟ 

فقال له يا أمير المؤمنين، لئن كان في العمر تأخير لا يضرني قليل ولا كثير، ولكن حضرتني أبيات فاسمعها فإن قتلي لا يفوتك.

فقال هشام  بن عبد الملك: هات وأوجز فأنشد هذه الأبيات: 

نبئت أن الباز صادف مـرة                             عصفور برٍّ ساقه المقـدور 
فتكلم العصفور في أظفـاره                              والبـاز منهمك عليه يطـير
مثلي ما يغني لمثلك شبعــة                              ولئن أكلت فإنني حقـــــير
فتبسم الباز المذل بنفـســــه                              عجباً وأفلت ذلك العصفور

فتبسم هشام  بن عبد الملك وقال: وحق قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تلفظ بهذا اللفظ من أول كلامه وطلب مأدون الخلافة لأعطيتها إياه، يا خادم، أحش فاه درا وجوهراً، وأحسن جائزته، فأعطاه الخادم حلة عظيمة، فأخذها وانصرف إلى حال سبيله.

09‏/01‏/2010

قصة هارون الرشيد مع من نصحه بأسلوب قاس!

قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: 
عن أبي عمران الجوني قال: لما ولي هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء فهنأوه بما صار إليه من أمر الخلافة؛ ففتح بيوت الأموال وأقبل يجزيهم بالجوائز السنية، وكان قبل ذلك يجالس العلماء والزهاد، وكان يظهر النسك والتقشف، وكان مواخيًا لسفيان بن سعيد بن المنذر الثوري قديمًا فهجره سفيان ولم يزره؛ فاشتاق هارون إلى زيارته ليخلو به ويحدثه فلم يزره ولم يعبأ بموضعه ولا بما صار إليه، فاشتد ذلك على هارون فكتب إليه كتابًا يقول فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى أخيه سفيان ابن سعيد بن المنذر أما بعد، يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى واخى بين المؤمنين، وجعل ذلك فيه وله، واعلم أني قد واخيتك مواخاة لم أصرم بها حبك ولم أقطع منها ودك، وأني مُنْطَوٍ لك على أفضل المحبة والإرادة، ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوًا لما أجد لك في قلبي من المحبة، واعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقي من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني وهنأني بما صرت إليه، وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما فرحت به نفسي وقرت به عيني، وإني استبطأتك فلم تأتني، وقد كتبت إليك كتابًا شوقًا مني إليك شديدًا، وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء في فضل المؤمن وزيارته ومواصلته، فإذا ورد عليك كتابي فالعجل العجل).

فلما كتب الكتاب التفت إلى من عنده فإذا كلهم يعرفون سفيان الثوري وخشونته فقال:عليّ برجل من الباب، فأدخل عليه رجل يقال له عَبّاد الطالقاني فقال: يا عباد خذ كتابي هذا فانطلق به إلى الكوفة فإذا دخلتها فسل عن قبيلة بني ثور، ثم سل عن سفيان الثوري، فإذا رأيته فألق كتابي هذا إليه، وعِ بسمعك وقلبك جميع ما يقول، فأحص عليه دقيق أمره وجليله لتخبرني به.

فأخذ عبّاد الكتاب وانطلق به حتى ورد الكوفة، فسأل عن القبيلة فأرشد إليها، ثم سأل عن سفيان فقيل له: هو في المسجد، قال: فأقبلت إلى المسجد، فلما رآني قام قائمًا وقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير،

قال عباد: فوقعت الكلمة في قلبي فخرجت، فلما رآني نزلت بباب المسجد قام يصلي ولم يكن وقت صلاة؛ فربطت فرسي بباب المسجد ودخلت، فإذا جلساؤه قعود قد نكسوا رؤوسهم كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته، فسلمت فما رفع أحد رأسه وردوا السلام عليَّ برؤوس الأصابع، فبقيت واقفًا فما منهم أحد يعرض عليَّ الجلوس، وقد علاني من هيبتهم الرعدة، ومددت عيني إليهم فقلت: إن المصلي هو سفيان، فرميت بالكتاب إليه فلما رأى الكتاب ارتعد وتباعد منه كأنه حية عرضت له في محرابه؛ فركع وسجد وسلَّم وأدخل يده في كمه ولفها بعباءته وأخذه فقلبه بيده ثم رماه إلى من كان خلفه وقال يأخذه بعضكم يقرؤه؛ لأني أستغفر الله أن أمس شيئًا مسه ظلاَّم بيده،

قال عباد: فأخذه بعضهم فحله كأنه خائف من فم حية تنهشه ثم فضه وقرأه وأقبل سفيان يتبسم تبسم المتعجب، فلما فرغ من قراءته قال: اقلبوه واكتبوا إلى الظالم فيظهر كتابه، فقيل له: يا أبا عبد الله إنه خليفة فلو كتبت إليه في قرطاس نقي، فقال:اكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه، فإن كان اكتسبه من حلال فسوف يُجْزَى به وإن كان اكتسبه من حرام فسوف يَصْلَى به ولا يبقى شيء مسه ظالم عندنا فيفسد علينا ديننا، فقيل له: ما تكتب، فقال: اكتبوا.

(بسم الله الرحمن الرحيم من العبد المذنب سفيان بن سعيد بن المنذر الثوري إلى العبد المغرور بالآمال هارون الرشيد الذي سُلِبَ حلاوة الإيمان. أما بعد، فإني قد كتبت إليك أعرفك أني قد صرمت حبلك وقطعت ودك وقليت موضعك، فإنك قد جعلتني شاهدًا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك بما هجمت به على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقه وأنفذته في غير حكمه، ثم لم ترضَ بما فعلته وأنت ناءٍ عني حتى كتبت إليَّ تشهدني على نفسك، أما إني قد شهدت عليك أنا وإخواني الذين شهدوا قراءة كتابك وسنؤدي الشهادة عليك غدًا بين يدي الله تعالى، يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم،

هل رضي بفعلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها في أرض الله تعالى والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن وأهل العلم والأرامل والأيتام؟ أمهل رضي بذلك خلق من رعيتك؟ فشدَّ يا هارون مئزرك وأَعِدَّ للمسألة جوابًا وللبلاء جلبابًا، واعلم أنك ستقف بين يدي الحَكَم العَدْل فقد رُزِئْتَ في نفسك إذ سُلِبْتَ حلاوة العلم والزهد ولذيذ القرآن ومجالسة الخيار ورضيت لنفسك أن تكون ظالمًا وللظالمين إمامًا.

يا هارون قعدت على السرير، ولبست الحرير، وأسبلت سترًا دون بابك وتشبهت بالحجبة برب العالمين ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك يظلمون الناس ولا ينصفون، يشربون الخمور ويضربون من يشربها، ويزنون ويحُدُّون الزاني، ويسرقون ويقطعون السارق، أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن تحكم بها على الناس؟ فكيف بك يا هارون غدًا إذا نادى المنادي من قِبَل الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} (الصافات: 22) أين الظلمة وأعوان الظلمة؟ فقدِمتَ بين يدي الله تعالى ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يفكهما إلا عدلك وإنصافك، والظالمون حولك وأنت لهم سابق وإمام إلى النار، كأني بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق ووردت المشاق، وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك وسيئات غيرك في ميزانك زيادة على سيئاتك بلاء على بلاء وظلمة فوق ظلمة.

فاحتفظ بوصيتي واتعظ بموعظتي التي وعظتك بها، واعلم أني قد نصحتك وما أبقيت لكفي النصح غاية، فاتق الله يا هارون واحفظ محمدًا صلى الله عليه وسلم في أمته، وأحسن الخلافة عليهم، واعلم أن هذا الأمر لو بقي لغيرك لم يصل إليك، وهو صائر إلى غيرك، وكذا الدنيا تنتقل بأهلها واحدًا بعد واحدٍ، فمنهم من تزود زادًا نفعه ومنهم من خسر دنياه وآخرته، وإني أحسبك يا هارون ممن خسر دنياه وآخرته، فإياك أن تكتب لي كتابًا بعد هذا فلا أجيبك عنه , والسلام).

قال عَبَّادٌ: فألقى إليَّ الكتاب منشورًا غير مطوي ولا مختوم فأخذته وأقبلت إلى سوق الكوفة وقد وقعت الموعظة من قلبي، فناديت: يا أهل الكوفة، فأجابوني، فقلت لهم: يا قوم من يشتري رجلاً هرب من الله إلى الله؟ فأقبلوا إليَّ بالدنانير والدراهم فقلت: لا حاجة لي في مال ولكن جبة صوف خشنة وعباءة قطوانية.

قال: فأوتيت بذلك ونزعت ما كان علي من اللباس الذي كنت ألبسه مع أمير المؤمنين، وأقبلت أقود البرذون وعليه السلاح الذي كنت أحمله حتى أتيت باب أمير المؤمنين هارون حافيًا راجلاً فهزأ بي من كان على باب الخليفة، ثم استؤذن لي فلما دخلت عليه وبصر بي على تلك الحالة قام وقعد، ثم قام قائمًا وجعل يلطم رأسه ووجهه ويدعو بالويل والحزن ويقول: انتفع الرسول وخاب المرسِل ما لي وللدنيا ما لي ولملك يزول عني سريعًا، ثم ألقيت الكتاب إليه منشورًا كما دفع إلي فأقبل هارون يقرأه ودموعه تنحدر من عينه، ويقرأ ويشهق، فقال بعض جلسائه:

يا أمير المؤمنين لقد اجترأ عليك سفيان فلو وجهت إليه فأثقلته بالحديد وضيقت عليه السجن كنت تجعله عبرة لغيره.

فقال هارون: اتركونا يا عبيد الدنيا، المغرور مَنْ غررتموه، والشقي من أهلكتموه، وإن سفيان أمة وحده، فاتركوا سفيان وشأنه. 

ثم لم يزل كتاب سفيان إلى جنب هارون يقرأه عند كل صلاة حتى توفي رحمه الله.

08‏/01‏/2010

قصة الشجاع الذي لا يتفاخر بشجاعته!

قال جعيف السمرقندي الحاجب:
نمت مع مولاي المعتضد في بعض متصيداته، وقد انقطع عن العسكر، وليس معه غيري، إذ خرج علينا أسد فقصد قصدنا.

فقال لي المعتضد: يا جعيف أفيك خير اليوم؟

قلت: لا والله.

قال: ولا أن تمسك فرسي وأنا أنزل؟

فقلت: بلى.

قال: فنزل عن فرسه وغرز أطراف ثيابه في منطقته، واستل سيفه، ورمى بقرابه إلي، ثم تقدم إلى الأسد فوثب على هامته ففلقها، فخر الأسد صريعا، فدنا منه فمسح سيفه في صوفه، ثم أقبل إلي فأغمد سيفه في قرابه، ثم ركب فرسه فذهبنا إلى العسكر.

قال: وصحبته إلى أن مات فما سمعته ذكر ذلك لأحد، فما أدري من أي شيء أعجب؟ من شجاعته أم من عدم احتفاله بذلك حيث لم يذكره لأحد؟ أم من عدم عتبه علي حيث ضننت بنفسي عنه؟ والله ما عاتبني في ذلك قط.(١)
---------------------------------------------
(١) روائع القصص الإسلامي/ أ.د. عمر الأشقر/ ص٥٤.

07‏/01‏/2010

قصة: التهديد بالأذان

ذكر القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي عن شيخ من التجار قال: 

كان لي على بعض الأمراء مال كثير فماطلني ومنعني حقي وجعل كلما جئت أطالبه حجبني عنه ويأمر غلمانه يؤذونني فاشتكيت عليه إلى الوزير فلم يفد ذلك شيئا وإلى أولياء الأمر من الدولة فلم يقطعوا منه شيئا وما زاده ذلك إلا منعا وجحودا فأيست من المال الذي عليه ودخلني هم من جهته فبينما أنا كذلك وأنا حائر إلى من أشتكي إذ قال لي رجل: ألا تأتي فلانا الخياط إمام مسجد هناك.
فقلت : وما عسى أن يصنع خياط مع هذا الظالم، وأعيان الدولة لم يقطعوا فيه. 
فقال لي: هو أقطع وأخوف عنده من جميع من اشتكيت إليه فاذهب إليه لعلك أن تجد عنده فرجا. 
قال: فقصدته غير محتفل في أمره فذكرت له حاجتي وما لي وما لقيت من هذا الظالم فقام معي فحين عاينه الأمير قام إليه وأكرمه واحترمه وبادر إلى قضاء حقي الذي عليه فأعطانيه كاملا من غير أن يكون منه إلى الأمير كبير أمر غير أنه قال له: ادفع إلى هذا الرجل حقه وإلا أذنت. 
فتغير لون الأمير ودفع إلي حقي.
قال التاجر: فعجبت من ذلك الخياط مع رثاثة حاله وضعف بنيته كيف انطاع ذلك الأمير له ثم إني عرضت عليه شيئا من المال فلم يقبل مني شيئا.
وقال: لو أردت هذا لكان لي من الأموال ما لا يحصى . 
فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه وألححت عليه.
فقال: إن سبب ذلك أنه كان عندنا هاهنا رجل تركي شاب حسن أمير، فلما كان ذات يوم أقبلت امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب مرتفعة ذات قيمة، فقام إليها وهو سكران فتعلق بها يريدها على نفسها ليدخلها منزله، وهي تأبى عليه وتصرخ بأعلى صوتها: يا معشر المسلمين أنا امرأة ذات زوج، وهذا الرجل يريدني على نفسي ليدخلني منزله وقد حلف زوجي بالطلاق أن لا أبيت في غير منزله ومتى بت هاهنا طلقت منه ولحقني بسبب ذلك عار لا تدحضه الأيام ولا تغسله المدامع. 
قال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه وأردت خلاص المرأة من يديه فضربني بدبوس في يده فشج رأسي وغلب المرأة على نفسها وأدخلها منزله قهرا فرجعت أنا فغسلت الدم عنى وعصبت رأسي وصليت بالناس العشاء، ثم قلت للجماعة: إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص المرأة منه فقام الناس معي فهجمنا عليه داره، فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي والدبابيس يضربون الناس وقصدني هو من بينهم فضربني ضربا شديدا مبرحا حتى أدماني وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة، فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة الدماء فنمت على فراشي فلم يأخذني نوم وتحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ المرأة من يده في هذه الليلة لترجع فتبيت في منزلها حتى لا يقع على زوجها الطلاق فألهمت أن أؤذن للصبح في أثناء الليل لكي يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها من منزله فتذهب إلى منزل زوجها فصعدت المنارة وجعلت أنظر إلى باب داره وأنا أتكلم على عادتي قبل الأذان هل أرى المرأة قد خرجت ثم أذنت فلم تخرج ثم صممت إن لم تخرج أقمت الصلاة حتى يتحقق الصباح.
فبينا أنا أنظر هل تخرج المرأة أم لا؟ إذ امتلأت الطريق فرسانا ورجالة وهم يقولون : أين الذي أذن هذه الساعة؟ 
فقلت: هأنذا وأنا أريد أن يعينوني عليه.
فقال: انزل، فنزلت ، فقالوا: أجب أمير المؤمنين. 
فأخذوني وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا، وما زالوا بي حتى أدخلوني على الخليفة المعتضد بالله، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف وفزعت فزعا شديدا، فقال: ادن . فدنوت. 
فقال لي: ليسكن روعك وليهدأ قلبك. وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي.
فقال: أنت الذي أذنت هذه الساعة؟ 
قلت: نعم يا أمير المؤمنين. 
فقال: ما حملك على أن أذنت هذه الساعة وقد بقي من الليل أكثر مما مضى منه ، فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرهم. فقلت: يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري؟ 
فقال: أنت آمن. 
فذكرت له القصة.
قال: فغضب غضبا شديدا وأمر بإحضار ذلك الأمير والمرأة من ساعته على أي حالة كانا، فأحضرا سريعا، فبعث بالمرأة إلى زوجها مع نسوة من جهته ثقات، ومعهن ثقة من جهته أيضا، وأمره أن يأمر زوجها بالعفو والصفح عنها والإحسان إليها، فإنها مكرهة ومعذورة، ثم أقبل على ذلك الشاب الأمير.
فقال له: كم لك من الرزق؟ وكم عندك من المال؟ وكم عندك من الجواري والزوجات؟ فذكر له شيئا كثيرا. 
فقال له: ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله وتعديت حدوده وتجرأت على السلطان وما كفاك ذلك حتى عمدت إلى رجل أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته. 
فلم يكن له جواب، فأمر به فجعل في رجله قيد وفي عنقه غل ثم أمر به فأدخل في جوالق ثم أمر به فضرب بالدبابيس ضربا شديدا حتى خفت صوته، ثم أمر به فألقي في دجلة فكان ذلك آخر العهد به، ثم أمر بدرا صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الحواصل والأموال التي كان يتناولها من بيت المال بغير حلها، ثم قال لذلك الرجل الصالح الخياط: كلما رأيت منكرا صغيرا كان أو كبيرا ولو على هذا - وأشار إلى صاحب الشرطة - فأعلمني به، فإن اتفق اجتماعك بي وإلا فعلامة ما بيني وبينك أن تؤذن في مثل وقت أذانك هذا. 
قال: فبهذا السبب لا آمر أحدا من هؤلاء الدولة بشيء من الخير أو أنهاه عن شيء إلا بادر إلى امتثاله وقبوله خوفا من المعتضد وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن. 

البداية والنهاية لابن كثير

06‏/01‏/2010

قصة: لا تحكم على أحد من ظاهره

قال محمد بن الحسن في ترجمته لداود الظاهري:
حكى داود الظاهري قال: حضر مجلسي أبو يعقوب الشريطي من أهل البصرة وعليه خرقتان، فتصدّر، وجلس إلى جانبي من غير أن يرفعه أحد، وقال لي: سل يا فتى عما بدا لك، فكأني غضبت منه، فقلت له مستهزءا:
أسأل عن الحجامة، فبرك أبو يعقوب، ثم روى طريق ((أفطر الحاجم والمحجوم)) ومن أرسله ومن أسنده، ومن وقفه، ومن ذهب إليه من الفقهاء.(١)
ثم روى طريق احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعطاء الحجام أجره، ولو كان حراما لم يعطه، ثم روى طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بقرن، وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة، ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل (( ما مررت بملإ من الملائكة )) ومثل (( شفاء أمتي في ثلاث )) وما أشبه ذلك، وذكر الأحاديث الضعيفة، مثل قوله عليه السلام: (( لا تحتجموا يوم كذا ولا ساعة كذا )).
ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب في الحجامة في كل زمان وما ذكروه فيه، ثم ختم كلامه بأن قال: وأول ما خرجت الحجامة من أصفهان.
فقلت: والله لا أحقرن بعدك أحدا.(٢)
-------------------------------------------------
(١) أي أنه بدأ بسرد الأحاديث التي يحفظها عن الحجامة بالترتيب حسب صحتها.
(٢) روائع القصص الإسلامي/ أ.د. عمر الأشقر/ ص٢٧.

05‏/01‏/2010

قصة قوة الحفظ عند الترمذي

نقل أبو سعد الإدريسي بإسناد له، أن أبا عيسى قال: كنت في طريق مكة، فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته، وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته، فأجابني، فإذا معي جزآن بياض، فبقي يقرأ علي من لفظه ، فنظر، فرأى في يدي ورقا بياضا.
فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري.
وقلت: أحفظه كله. 
قال: اقرأ. فقرأته عليه، فلم يصدقني. 
وقال: استظهرت قبل أن تجيء؟
فقلت: حدثني بغيره. 
قال: فحدثني بأربعين حديثا ، ثم قال : هات. 
فأعدتها عليه، ما أخطأت في حرف.(١)
--------------------------------------
(١) روائع القصص الإسلامي/ أ.د. عمر الأشقر/ ص٢٤.

04‏/01‏/2010

قصة قوة الحفظ عند الدارقطني

قال الخطيب: حدثنا الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، الأول عن فلان عن فلان ومتنه  كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا. ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه أو كما قال. (١)
--------------------------------------------------
(١) وردت هذه القصة في البداية والنهاية وسير أعلام النبلاء وغيرها.

03‏/01‏/2010

قصة في قوة الحفظ عند البخاري

قال أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ: سمعتُ عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمَدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس.
فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه.
وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه.
وكذلك حتى فرغ من عشرته، فكان الفقهاءُ يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهِم، ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول، والبخاري يقول: لا أعرفه، ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على: لا أعرفه.
فلما علم أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فردَّ كل متنٍ إلى إسناده، وفعَل بالآخرين مثل ذلك، فأقرَّ له الناس بالحفظ.(١)
-------------------------------------------------------
(١) روائع القصص الإسلامي/ أ.د. عمر الأشقر/ ص٢١.

02‏/01‏/2010

قصة الابن المدلل و الابن العالِم؟

ابتنى معاوية بالأبطح مجلسا، فجلس عليه ومع ابنه قرظة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنّى:
بينمــا يذكُرننــي أبصرننـــي     عند قيـد الميل يسعى بي الأغرّ
قـلن تعرفـــن الفتى قلن نعــم     قد عرفنـــاه وهل يخفى القمـــر
قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة.
قال: خلوا له الطريق فليذهب.
قال: ثم إذا هو بجماعة، وإذا فيهم رجل يُسأل. فيُقال له: رميت قبل أن أحلق؟ وآخر يسأله: حلقت قبل أن أرمي؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج.(١)
فقال: من هذا؟
قالوا: عبد الله بن عمر.
فالتفت إلى ابنه قرظة وقال: هذا وأبيك الشرف، هذا والله شرف الدنيا والآخرة.(٢)
------------------------------------------
(١) أي اجتمع الناس عليه للسؤال والفتوى.
(٢) روائع القصص الإسلامي/ أ.د. عمر الأشقر/ ص١٤.

01‏/01‏/2010

قصة في العلم و العبادة.. أيهما أفضل؟

قال ابن القيم: قال المزني: رُوِي عن ابن عباس أنه قال:
إن الشياطين قالوا لإبليس: يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالِم ما لا تفرح بموت العابد، والعالِم لا نُصيب منه، والعابد نُصيب منه؟ (١)
قال: انطلقوا، فانطلقوا إلى عابد فأتوه في عبادته فقالوا: إنا نريد أن نسألك! فانصرف، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟
فقال: لا أدري!
فقال: أترونه كفَرَ في ساعة؟!
ثم جاؤوا إلى عالِم في حلقته يضاحك أصحابه ويحدثهم.
فقالوا: إنا نريد أن نسألك.
فقال: سل.
فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟
قال: نعم.
قالوا: كيف؟
قال: يقول: كن فيكون؟
فقالوا: أترون ذلك لا يعدو نفسه، وهذا يُفسد علي عالما كثيرا.

وقد رُوِيت هذه الحكاية على وجه آخر، وأنهم سألوا العابد فقالوا: هل يقدر ربك أن يخلق مثل نفسه؟
فقال: لا أدري.
فقال: أترونه لم تنفعه عبادته مع جهله.
وسألوا العالِم عن ذلك فقال: هذه المسألة محال: لأنه لو كان مثله مخلوقا، فكونه مخلوقا وهو مثل نفسه مستحيل، فإذا كان مخلوقا لم يكن مثله، بل كان عبدا من عبيده، وخلقا من خلقه.
فقال: أترون هذا يهدم في ساعة ما أبنيه في سنين! أو كما قال.(٢)
-----------------------------------------------------------------------------------
(١) نصيب منه: أي نجعله يعمل السيئات.
(٢) روائع القصص الإسلامي / أ.د. عمر سليمان الأشقر/ ص١٠.